أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة / ثائران في القرن العشرين

ثائران في القرن العشرين

ثائران في القرن العشرين
للدكتور حسن صعب
عبد الناصر والخميني ثائران كبيران في القرن العشرين !
عبد الناصر ثائر الوحدة العربية.
والخميني ثائر الوحدة الاسلامية.
وقد ذهب الاثنان رحمهما الله.
والوحدة لا تزال تنتظر !
فلماذا ؟
هذا سؤال يجدر بكل عربي وكل مسلم ان يطرحه، والحزن يغشانا اليوم لوفاة الخميني، كما اعترانا الاسى بالامس لفقداننا عبد الناصر.
المنجزات القيادية والثورية لعبد الناصر وللخميني اتفقت واختلفت، لكن الاثنين فجعا بهدفهما الوحدوي !
عبد الناصر قوض عرش الفراعنة، وهو من أقدم عروش التاريخ، وقلب مصر من ملكية الى جمهورية.
والخميني أطاح عرش الاكاسرة، وهو من اعرق عروش التاريخ، وحوّل ايران من امبراطورية الى جمهورية.
وعبد الناصر قضى على الطبقة الباشاوية الاقطاعية المرتبطة بالعرش، واحل طبقة وسطى عسكرية ومدنية.
والخميني اتى على الطبقة الرأسمالية المستظلة بالشاه، واحل طبقة متوسطة من رجال الدين، ومن صغار رجال الاعمال ومن المجاهدين والعسكريين.
وعبد الناصر اعاد للفلاح المصري ارضه، واعاد للمواطن المصري العادي كرامته، وايقظ وعيه القومي العربي.
والخميني رفع دور الفلاح الايراني، وجعل من المواطن الايراني العادي مجاهداً متأهباً لفتح اسلامي جديد.
وعبد الناصر حرر من الاستعمار البريطاني، وناضل مع كل شعب عربي في سبيل تحرره، وكان انتصاره على العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الاسرائيلي عام 1956، منعطفا حاسما في تاريخ تحرر افريقيا وآسيا.
والخميني حرر ايران من الاستعمار الاميركي، وعبأ النفوس لتحرير المسلمين وسائر البشر من الاستكبار الاستعماري.
وفتح عبد الناصر للسوفيات الباب العربي !
وفتح الخميني لهم الباب الاسلامي.
ولم يعرف القرن العشرون ثائراً عربيا او ثائراً مسلماً احدث زلزالاً للمستعمرين كالذي احدثه عبد الناصر والخميني !
وعبد الناصر خاض ثلاث حروب لتحرير فلسطين من العدوان الاسرائيلي.
والخميني قلب بعثة اسرائيل في طهران بعثة فلسطينية، ورفع الراية العربية الفلسطينية فوق صاريتها محل العلم الاسرائيلي، وعبأ المقاومة الاسلامية في لبنان في وجه اسرائيل والاستعمار.
والاثنان يستويان في ثورتهما ضد الظلم، ظلم الحكام للمواطنين في الداخل، وظلم المستعمرين لهم من الخارج.
والثورة على الظلم هي واجب انساني كما هي واجب عربي وواجب اسلامي.
ولذلك، من حق العرب، ومن حق المسلمين ان يعتبروا عبد الناصر والخميني بطلين من ابطال الثورة على الظلم في التاريخ الانساني.
لكن كلا منهما اختلف عن الآخر في اسلوبه الثوري وايديولوجيته وهدفه.
فقد اعتمد عبد الناصر اسلوب الانقلاب العسكري السلمي. لكن شعبيته ظهرت جامحة يوم التاسع من يونيو (حزيران) 1967، حين حملته النكسة على الاستقالة، فهبت الامة العربية هبة الرجل الواحد من المحيط الى الخليج، تطالبه بالعودة عن استقالته، وتصر عليه ان يستمر في تحمل مسؤولياته.
واعتمد الخميني اسلوب الانقلاب الشعبي، فاذا بعودته الى طهران تحرك طوفاناً بشرياً يجتاح الشاه وعرشه وكل من يؤازره من الداخل والخارج.
واعتنق عبد الناصر القومية العربية بمحتوى ديموقراطي اشتراكي، فاذا به داعية لايديولوجية عصرية يعتقد انها تنسجم مع روح الاسلام، وانها السبيل الافضل لتحرير العرب من التخلف والاستعمار معاً، وللانتصار على التجزئة.
وبشر الخميني بالدعوة الاسلامية الاصولية، مؤمناً بأن الاسلام هو رسالة الله للانسان، وبأنه لا فلاح للمسلمين الا بقيام جمهورية إسلامية تبدأ في إيران، وتنطلق منها الى العالم كله.
فعبد الناصر قائد قومي عربي ديموقراطي اشتراكي عصري.
والخميني قائد ايراني اسلامي إمامي اصولي.
وكانت الوحدة العربية هي المثل الناصري الأعلى.
وكانت الوحدة الاسلامية عي المثل الخميني الأعلى.
لكن كلا منهما قضى من غير ان يبلغ مثله الأعلى، مع ان كلا منهما نال من حماسة الجماهير ما لم يظفر به اي قائد عربي او اسلامي في العصر الحديث. فلم كان ذلك ؟
هل نستطيع ان نعلل الاسباب تعليلاً موضوعياً، لنعتبر بها، وليعتبر بها خلفاء عبد الناصر والخميني، ونحن نعلم ان مئتي مليون من العرب لا يزالون يتطلعون الى الوحدة العربية، وان ملياراً من المسلمين لا يزالون يهفون الى الوحدة الاسلامية ؟
اننا نستطلع هنا اعظم تحد طالع العرب والمسلمين، ولا يزال يطالعهم في العصر الحديث. فليس الجواب عن هذا الاستطلاع بالامر اليسير.
لكننا اذا لم نستكنه تجربتي عبد الناصر والخميني، وقد هزتانا وزلزلتا العالم، على ما بينهما من وجه التشابه والاختلاف، لنهتدي بهما لمستقبلنا الافضل، فبأية تجربة معاصرة يمكننا ان نستهدي؟
وما احرنا ان يكون هذا الاستطلاع حوارا حرا بيننا، يعرض احدنا للانتقاد، ولا يعرض اياً منا للاغتيال ! وقد حدث مثل هذا الحوار في مصر بعد وفاة عبد الناصر، فتجاوز كل الحدود، وانقلب من تبادل افكار الى انفجار احقادا ونحن ندعو للحوار لا للانفجار ولا للاغتيال، بل ندعو للحوار بديلا منهما معاً، تأدبا مع الله في قوله تعالى : “وجادلهم بالتي هي أحسن”.
ونحن نمارس في هذا الاستطلاع النقد الذاتي، الذي أمرنا به تعالى بقوله : “لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة”.
وعبد الناصر هو وليد المجتمع العربي.
والخميني هو وليد المجتمع الاسلامي.
فكل منهما هو الصورة الذروة لمجتمعه في ايجابياته وسلبياته.
وقد ذكرنا ما اتيح لنا ان نذكر من المنجزات الايجابية للثائرين الكبيرين. ويتوجب علينا ذكر السلبيات عبرة لكل ثائر عربي وكل ثائر مسلمي بل لكل ثائر في العالم !
فعبد الناصر والخميني أزالا الحكمين الملكي والامبراطوري، واستبدلاهما حكما عصرياً في مصر وحكماً شرعياً في ايران، لكن الحكمين يستويان في ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بالحكم القيادي الرسولي ! والقائد الرسولي، بهذا الاصطلاح العلمي، هو القائد الخارق التأثير في الجماهير (charismatic leader) .
وهذا النمط من الحكم يزين للحاكم انه على حق في كل ما يفعله، وأنه ليس من حق احد ان ينتقده ان ان يحاسبه، وانه يقدم حساباً مباشراً عن كل ما يفعله لله او للشعب او للتاريخ !
فالشعب اولاه ثقته المطلقة، فمن حقه بل من واجبه ان يقضي على كل من يخالفه في الرأي، باعتباره مخالفاً لارادة الله او لارادة الشعب !.
فقضى عبد الناصر على المعارضين من العهد الملكي ومن الاخوان المسلمين ومن الشيوعيين، ولم يوفر رواد الثورة الذين اختلفوا معه !
وهذا ما فعله الخميني مع معارضيه من العهد الامبراطوري ومن مجاهدين خلق ومن الشيوعيين، ومن بعض الذين اطلقوا معه الثورة !
وبفضل المطاردة التي لا هوادة فيها للمعارضة، يصبح جهاز المخابرات هو الاقوى والانشط في النظام القائم !
وتصبح السلطات المعتمدة لسائر المؤسسات، سواء اكانت عصرية ام سلفية، شكلية اكثر مما هي فعلية.
وتصبح هذه المؤسسات اطرا لتنازع مراكز القوى المزايدة على الولاء للقائد الرسولي !
ويروى عن عبد الناصر، انه افتتح اول جلسة عقدها مجلس الوزراء، بعد نكسة الخامس من حزيران، بقوله : “اليوم انتهت دولة المخابرات وستبدأ دولة الشعب” !
ويحمل الاعتقاد الوحدوي المطلق، عربياً كان أم اسلامياً، القائد الرسولي على ان يتصور احوال سائر الاقطار العربية والاسلامية كأحوال بلاده. ويزين له ان في وسعه ان يقضي فيها على معارضي “وحدويته” كما قضى على معارضي “حكمه” في بلاده.
فاذا به في حال صراع مع الذين يريد ان يوحدهم.
وهذا ما حدث لعبد الناصر مع الحكام العرب.
وهذا ما حدث للخميني مع الحكام المسلمين.
وينقلب الصراع الى حرب ساخنة وطاحنة للعرب وللمسلمين.
وهذا ما حدث في حرب اليمن بين عبد الناصر ومليكها البدر !
وهذا ما حدث في الخليج العربي بين الخميني وصدام حسين !
وهذا ما حدث لعبد الناصر والخميني في لبنان !
وحجة القائد الرسولي ان الحكام يحاربونه، لكن الشعوب تناصره !
لكن الاستعمار ومعه اسرائيل مرصاد لصراعات القائد الرسولي مع اخوانه الحكام العرب والمسلمين ولحروبه المنظورة وغير المنظورة معهم !
والموقف النموذجي للاستعمار، الذي يعبر عن موقفه من الوحدتين العربية والاسلامية، كما اعلنه كيسينجر، وهو يجيب من يسأله عن رأيه في من يحسن ان ينتصر في الحرب الايرانية – العراقية : “ان الافضل لنا ان ينهزم الفريقان !”.
وما يمكن ان نستخلصه من هذه الالمامة المقارنة بالتجربتين الوحدويتين لأكبر ثائرين عرفهما العرب والمسلمون في العصر الحديث هو ما يلي :
أولاً : ان الوحدة في زماننا تتحقق بالرضا او لا تتحقق. وتجربة أوروبا الغربية اسطع برهان على ذلك.
ثانياً : الوحدة لا يحققها قائد رسولي وحدوي بل نخبة قيادية رسولية وحدوية. ويستطيع من لا يدرك الفرق بين الحالين في مصطلح على الاجتماع السياسي ان يعود الى اسوة سيرة الرسول (ص)، الذي حمل رسالته بوحي الله تعالى، لكنه حققها مع صحابته لا بمفرده، ومع صحابة متوافقين بل متآخين وغير متنازعين !
ثالثاً : ان حكمنا اليوم، سواء أتصورناه سلفياً أم عصرياً، وفي ذلك حكم الوحدة، لا بد ان يكون حكماً ديموقراطياً حقيقياً، اي حكم الشعب لا حكم الفرد.
رابعاً : ان الحرب يجب ان تحرم في ما بين العرب وفي ما بين المسلمين داخلياً وخارجياً، تحريماً نهائياً، وان العقل لا العنف هو الطريق للتوحيد العربي والاسلامي، كما انه الطريق للتوحيد الانساني.
خامساً : ان العرب والمسلمين يواجهون الان جوا جديدا من الوفاق الدولي يوجب عليهم اعادة نظر جدية في علاقاتهم الدولية.
سادساً : ان اسرائيل هي اللغم العنفي والارهابي الاكبر في قلب العرب وجنان المسلمين. ولا بد لهم من ان يتحدوا اتحاداً حقيقياً لاطفاء هذا اللغم من قبل ان ينفجر بهم انفجاراً نووياً.
سابعاً : لو ان العرب والمسلمين ثمروا مليارات الدولارات، التي اهدروها في حرب الخليج لانماء الشعب، لخفضوا نسبة الفقر بين المئتي مليون عربي والمليار مسلم، وهي تكاد تكون من اعلى النسب في العالم !
وقد علمنا الامام علي “كرم الله وجهه” ان الفقر يكاد يكون كفراً. فهل نكون بأكثريتنا الفقيرة كفاراً أو مؤمنين ؟
اولا تقضي تعاليم الامام علي بأن تكون ثورتنا المنتظرة ثورة تحرر من الفقر فتكون ثورة تحرر حقيقي من الكفر ؟.


المصدر : مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث، المنسق الاعلامي – محمد ع. درويش
المقال للمفكر السياسي اللبناني الراحل الدكتور حسن صعب ، كتبه بتاريخ 16/6/1989.

عن mediasolutionslb

شاهد أيضاً

إنتخاب هيئة إدارية جديدة لجمعية متخرجي الجامعات الاميركية في لبنان

عقدت جمعية متخرجي الجامعات الاميركيةفي لبنان ،جمعية عمومية لإنتخاب هيئة إدارية جديدةوذلك بتاريخ ٢٠٢٣/٠٣/٠٩وجاءت النتيجة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *