كتب حسين زلغوط في جريدة اللواء:
ينطبق على حكومة الاحتلال الاسرائيلي المثل القائل “قتلت القتيل ومشيت بجنازته” في مجدل شمس، فرغم قطع اهالي المنطقة الطريق امام إسرائيل لناحية استغلالها ما جرى ووأد القيادات الروحية والسياسية الدرزية هناك وفي لبنان الفتنة في مهدها، ونعت بنيامين نتنياهو بقاتل الاطفال، الا ان رئيس حكومة الاحتلال اصر على التوعد برد قاسي على “حزب الله” خلال زيارته مجدل شمس رغم أن رئيس هيئة السلطات الدرزية ياسر غضبان، توجّه برسالة الى جميع الممثلين السياسيين والوزراء والضباط الرفيعي المستوى بعدم الحضور للتعزية بناءً على رغبة عائلات الضحايا وحساسية الوضع وبناءً على رغبة أهالي الضحايا والقيادة الدرزية بإقامة جنازة دينية هادئة.
والسؤوال الذي يطرح نفسه لماذا سارعت اسرائيل الى استغلال ما حصل في مجدل شمس؟
بداية لا بد من الاشارة الى ان مجدل شمس بلدة سورية درزية تقع في هضبة الجولان المتحلة، ومنذ 7 أكتوبرالماضي، سارعت إسرائيل إلى زيادة نشاطها في الساحة الدرزية وتحديداً في جبل الشيخ والسويداء ومجدل شمس في محاولة لتنفيذ مشروعها القديم الجديد منذ السيطرة على الجولان عام 1967 بتفكيك نسيج شعوب المنطقة، و”أسرلتهم” ودفعهم للتخلي عن هويتهم والالتحاق بالكيان الاسرائيلي، وهذا ما يرفضه أهالي قرى الجولان المحتلّ الصامدين، وهم أصحاب شعار “لا للركوع نعم للجوع” خلال إضراب العام 1982 ضد قانون الكنيست الإسرائيلي لضم الجولان للكيان، وهم الرافضين بشدة لقرار دونالد ترامب عام 2019 الذي اعترف بما يسمى سيادة الاحتلال على أراضيهم، ورغم التنكيل بهم والتضيق عليهم من قبل عدد من المتصهينين والمستوطنيين، الا ان اهالي الجولان المحتل ظلوا ثابتين على ارتباطهم طوال العقود الماضية بالدولة السورية المقاومة، التي قدمت وتقدم كل وسائل الصمود لهم.
تعتبر مجدل شمس أكبر القرى المتبقية بعد طرد إسرائيل نحو 130 ألفا من الدروز العرب، بعد احتلالها مرتفعات الجولان من سوريا خلال حرب الأيام الستة عام 1967، ولم تعترف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضم إسرائيل لهذه المناطق، ويعتبر القانون الدولي أن المستوطنات التي أقامتها إسرائيل والبالغ عددها 33 وتحتل غالبية مساحة الجولان غير قانونية ، وقد شهد عام 1981، رفض أكثر من 90% من سكان مرتفعات الجولان المحتلة الجنسية الإسرائيلية. ولهذا، أصبح أغلب السكان يحملون وثيقة سفر تعرّف جنسيتهم بأنها “غير محددة” (أي أنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين أو سوريين).
وقد اعتمدوا منذ ذلك الوقت مسار المقاومة الشعبية للتصدي لمخططات الاحتلال التي تهدف إلى المس بالكيان العربي والانتماء السوري التي اتخذت عدة أشكال منها الأسرلة، التجنيد الإجباري.
من المعلوم ان الدروز في الجولان المحتل وفلسطين المحتلة رفضوا الحصول على الهوية الاسرائيلية وتحويلهم الى حرس لحلف الأقليات الذي تقوده إسرائيل، ظهر بشكل واضح برد فعل الأهالي خلال تشييع الاطفال الامر الذي أربك الحسابات الإسرائيلية، وهو ما دفعها لرفع السقف واتخاذها قرارا بتوجيه ضربة كبيرة إلى المقاومة ثأرا لاطفال مجدل شمس بعد حفلة التشويه التي قادتها بمساعدة وسائل إعلام غربية وعربية حمّلت حزب الله المسؤولية، والهدف من ذلك انتزاع موافقة من حزب الله على فتح نقاش حول مستقبل الجبهة الجنوبية على قاعدة فك الارتباط مع غزة.
والهدف الثاني هو استدراج المقاومة إلى مواجهة محكومة بسقف يفتح الباب أمام ضغوط لوقف جبهة الإسناد من لبنان، اضافة الى فتح نار الفتنة بوجه حزب الله في لبنان وسوريا، وهو ما تنبه له جيدا رئيس الحزب التقدمي السابق وليد جنبلاط وكان حازما عندما قال: إن الموقف من العدو ومن المقاومة ثابتةٌ لا جدال حولها، ومن لا يعجبه الأمر فليخرج من الدار.
وتقديراً لموقفه هذا ودعمه المقاومة في مساندتها غزة، بعث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله برسالة إلى النائب السابق وليد جنبلاط الذي تصدّى لمحاولات بث روح الفتنة واستغلال الحادثة. ونقل الرسالة المعاون السياسي الحاج حسين الخليل إلى الوزير السابق غازي العريضي كعربون شكر وامتنان لعروبة النائب جنبلاط ووطنيته ومسؤوليته في هذه المرحلة التي تظهر فيها معادن الرجال.
وفي اتصال اجرته “اللواء” مع مصدر قيادي في “حزب الله” اكد ان قيادة الحزب تقدر عاليا مواقف “الزعيم” وليد جنبلاط منذ اليوم الاول لعملية “طوفان الاقصى”، وهو لعب دوراً كبيرا للتمييز بين الدروز الذين يخدمون في صفوف جيش العدو الاسرائيلي وبين من يرفضون ذلك ، معتبرا انه لولا موقف جنبلاط وتدخله المباشر حول ما جرى في مجدل شمس لكانت نجحت اسرائيل في اشعال فتيل الفتنة بين الشيعة والدروز.
واعلن المصدر انه في ضوء ما حصل فان الحزب في صدد اعادة تقييم علاقاته بالنائب بجنبلاط ولاساحة الدرزية .
وحول التهديدات الاسرائيلية بتوجيه ضربة للبنان يقول المصدر القيادي في “حزب الله”، إننا نأخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد وأعددنا للأمر كامل عدته.
وكشف ان عددا من الموفدين الغربيين اتصلوا بنا وتمنوا علينا عدم الرد على العدوان المرتقب وقد أبلغناهم رفضنا ذلك، وقلنا لهم بصريح العبارة أننا سنرد حتما على أي اعتداء إسرائيلي، واي ضربة توجه الى لبنان سنرد عليها بالمثل.