رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن :”أنطون سعادة أولُ خسارة قوميّة بعد فلسطين، وأولُ ضحية فكرية من أجل فلسطين.”
وأضاف في مقالة له :”ليس في قدرة أحدٍ أن يقرأ حياةَ هذا الرجلِ العظيمِ وتراثَه الفكريَّ واستشهادَه، إلاّ في كتاب الحقّ الفلسطيني. فما كان يُعْقَلُ أن تتغاضى الهجمةُ الصهيونية على “سوريا الجنوبية” عن رؤيويٍّ أدرك ما سوف يجرُّه الإجرامُ الاستيطانيُّ من ويلاتٍ على أمّةٍ، لم تنزلِ المصائبُ فوق رأسِها فرادى منذ تكوُّنِ تاريخِها إلى اليوم: مجتمعُها في الأصلِ مقسَّمٌ طوائفَ ومذاهب، ووطنُها مشلَّعٌ دولًا وأنظمة. “
وتابع المرتضى :”وما كان ممكنًا لمؤمنٍ بحقِّه القومي أن يقف نادبًا أو راثيًا، فأطلقَ عقيدتَه القومية الاجتماعية الموحِّدة، مستكشِفًا فيها حقيقةَ الأمّة وتكوّنَها عبر التاريخ، باحثًا في أسبابِ تفرُّقِها وواضعًا أسسَ توحيدِها. ثمَّ نظمَ حزبَه سرًّا فعلنًا، مريدًا له أن يكون التجسيدَ العمليَّ للعقيدة، والصورةَ الحقيقيةَ عن الأمّةِ كما ينبغي لها أن تصير، والخطةَ النظاميةَ التحريرية المقابِلةَ للخطة الصهيونية الاحتلالية. وبعدَ هذا، أيُسألُ: لأيِّ علّةٍ قُتِلَ أنطون سعادة؟؟”
مردفا:” اليوم، يوشكُ قرنٌ أن يُطفئَ شمعته الأولى على ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وما من أحدٍ له أذنان للسمع وعينان للبصر إلا وقد أدركَ بالحواسّ الخمسِ ما استشرفه أنطون سعادة، وبخاصةٍ من حيث خطورة الانقسام الوطني والقومي، ومن حيث الخطر الصهيوني على بلادنا. وما من عاقلٍ إلاّ وقد رأى كيف تتوالى النكبات على جغرافيا بعينِها، تكاثرت أسماؤها، فهي المشرق وسوريا الطبيعية وسوراقيا والهلال الخصيب، إلاّ اسمًا واحدًا فيها لم يتكاثر هو الوحدةُ الوطنية، ولو في داخل كل دولة من دولِها، بحيث ظلّت الانقسامات الداخلية سمة كلِّ العصورِ في أرضِنا، ومدعاةً لكل تدخلٍ أجنبي في شؤوننا. كلُّ ذلك والإجرام الصهيوني ممعنٌ تخريبًا، باحتلال الأرض، وبالعدوان المباشر المستمر على جميع هذه الدول، وبالمؤامرات التي يحيكُها بين شعوبِها تحت مسمياتٍ كثيرة، حتى لقد طالت كثيرًا إقامتُها وسطَ نارٍ عدوانيةٍ وقودُها الناسُ والحجارة.
وبعيدًا من فكرة الوحدة القومية التي طرحَها أنطون سعادة، في ظلِّ صعوبة تحقيقها اليوم بعد تحوّل الواقع الكياني إلى التعبير الوحيد حاليًّا عن الإرادة الشعبية في الكيانات “السورية”، التي يتعمّق لدى أبنائها شعور المصلحة العامة بضرورة استقلال بعضِها عن بعض، تظلُّ الأفكار الإصلاحية التي نادى بها سعادة، في الاجتماع والسياسة والعسكر والثقافة، وفي المقاومة ضد الاحتلال، ثوابتَ وجوديةً لبناء الدولة الوطنية، إذ لا قيام لأيّ نهضةٍ حقيقية من دونِ تطبيقِها. وهو بهذا يتلاقى، ولو من مناهلَ متفرقة، مع مفكرين آخرين، بعضهم علمانيون وبعضهم رجال دين.
“واستطرد المرتضى :” أما نداؤه بأنّ القوّة هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقّ القومي، فيثبت جدواه يومًا بعد يوم، أمام العدوان الصهيوني المتفاقم على وجودِنا، وأمام صمود المقاومين المجاهدين بوجهه على خطوط النار الأولى، وكذلك صمود الأهلين المشردين فوق أنقاض بيوتهم وآلام جراحهم وتذكارات شهدائهم. لا شيء ينفع إلاّ المقاومة في هذا الكون الذي دائمًا ما تنحاز قواه العظمى، من أجل مصالح انتخاباتِها واقتصاداتها، إلى القتلة المجرمين السفاحين، ضد الأبرياء وأصحاب الحق. كلُّ قضيّةٍ محقّة لكي تنتصر، يعوزها جهادٌ بالروح والسيف، وتضحياتٌ كبرى لا تُقاسُ إلا بمقاييس العظمةِ المطلقة، على مثال ما فعل السيّد المسيح والإمام الحسين وأنطون سعادة والسيّد حسن نصرالله، وسائر الشهداء الأبرار على مرِّ تاريخِنا المجيد. فإن لم ندرك نحن اللبنانيين هذه الحقيقة ونعمل بمقتضاها، فسنبقى خارج زمان الانتصار. حقيقة من أولى مفرداتها أن المقاومة مصلحة لبنانية جامعة، وضرورة لا محيد عنها من أجل حماية لبنان من عدوٍّ يتربّص بنا ويخطط لقتلنا ليل نهار، قبل الإسناد وبعده… حتى يزول الاحتلال. “
وختم وزير الثقافة :”يبقى في القلم جرحٌ بليغ، وفي الحبر مرارةٌ لاذعة. كيف لأنطون سعادة أن يكون وحده غريبًا عن عيد تأسيس حزبه؟ أم تراه لم يكن مدعواً إليه أصلًا؟
يقينًا، لو نُمِيَ إليه الموعدُ في عليائه وجاء، لقالَ قول المسيح بساحةِ الهيكل: حزبي حزب وحدة يُدعى، فمالي اراه أشتاتًا تفاريق.”