هذا هو شعبنا العظيم

كتب نبيه البرجي في جريدة الديار
اللحظة التي نستعيد فيها قول ناجي العلي”من يعقد السلام مع اسرائيل كمن يرقص التانغو مع الثعبان” . أولئك الذين يعتبرون أنهم يمتطون ظهر الثعبان …
الليلة الأخيرة من ليالي جهنم كانت الأشد هولاً . القتل للقتل , الدم للدم , الخراب للخراب . قلنا هذه مملكة يهوذا , ومملكة هولاكو . الآن مملكة جهنم . هل من يفسر لنا , لماذا كل تلك الهمجية في هدم البيوت على أهلها وفي البحث عن مكان يقيهم النار التي لكأنها نزلت من السماء , أي من حيث نزل , أو أنزل , الأنبياء ؟
مثلما تقول التوراة ان بني اسرائيل باقون الى الأبد قال حاخام البيت الأبيض , في كلمته مساء الثلاثاء , ان اسرائيل باقية “فوق صدوركم” الى الأبد . من قال لجو بايدن ان أميركا باقية الى الأبد ؟
ولكن أي جهنم أخرى تنتظرنا ؟ ما رأيناه على الشاشات , خصوصاً في الليلة الأخيرة يشي بأننا أمام مأزق سياسي لا يقل تعقيدً عن المأزق العسكري . كيف يقطعون رأس المقاومة التي قد تكون أخطأت في اطلاقها الرصاصة الأولى أو عندما لم تنقل المعركة , استباقياً , الى الجليل , وكانت قادرة على ذلك , وهذه كانت خطة السيد حسن نصرالله . ولكن , ولكن , ولكن . كلنا نعلم ما تعنيه هذه الـ”ولكن” . السيد لم يذهب الى ربه بفعل الغارة الاسرائيلية , وانما بسبب النيران التي في صدره . أكثر من ذلك لأن حسن نصرالله لم يكن يستطيع الا أن يكون حسن نصرالله …
الدعوة الآن للعودة الى ذلك الشعار العجيب “قوة لبنان في ضعفه” . بالرغم من أن الدعاة لاحظوا أي ايديولوجيا , ايديولوجيا الشيطان (أيها السيد الشيطان اننا نعتذر) , تحكم أهل اليمين في الدولة العبرية . هؤلاء الذين يعتبرون أن “رب الجنود” هو الذي يقودهم لا لقتلنا نحن فقط , وانما للاقتصاص كل الأمم . نحن الكائنات الذين بأشكال بشرية , وبأرواح الحيوانات .
ثمة عبارة كاريكاتورية يطرحها في الهواء أولئك الساسة الذين يشبهون دواليب الهواء . الاستراتيجية الدفاعية . لا شك أننا أمام مشكلة حقيقية , مشكلة بنيوية . انه التفاوت بين الآراء , والرؤى , حول اسرائيل . على طريقة الحاخام مئير كاهانا , ثمة من يرى فيها “الابنة الكبرى لله” لتختزل العالم الغربي , وهذا ما لم تتبيّه ايران التي وجدت نفسها في مواجهة مع ذلك العالم , وثمة من يرى فيها الحالة الأخطبوطية التي لا تستطيع البقاء الا فوق الجماجم .
لاحظنا كيف أن بنيامين نتياهو حاول تبرير تراجعه عن كل الشعارات التي رفعها ابان الحرب , بالخطر الايراني ليس على اسرائيل فحسب , وانما على العالم . لم يقل انها المؤسسة العسكرية التي رفعت البطاقة الحمراء في وجهه (الى أين تذهب بنا في هذا الجحيم ؟) . كل المعلومات التي كانت تنشر أظهرت أن الجيش الاسرائيلي , وهو العمود الفقري للدولة , ولبقاء الدولة , كان على وشك الانفجار بالدوران السيزيفي داخل الحلقة المقفلة . حلقة الدم …
الآن لن نتكلم عن الشعب العظيم , وقد تجلّت هذه العظمة في عودته الى أرضه , ولو كانت “الأرض اليباب” , لنسأل كيف يمكن للمقاومة التي دخلت سياسياً في المعادلة , وفي الصيغة , السياسية , أن تدخل في المعادلة , وفي الصيغة , العسكرية , خصوصاً بعدما خلّفته التجربة الأخيرة من موت ومن خراب , حتى أن بعض الغربان الذين يعتاشون من فتات المافيات , يلقون على المقاومة مسؤولية عن كل ذلك الخراب الاقتصادي , والمالي , والسياسي , الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة .
متى كانت هناك الدولة , الا في أيام عبرت , ليقال ان الدويلة حلت محل الدولة . محمد حسنين هيكل كان قد قال لنا “هذه الجنة بحاجة الى الملائكة لكي تحكمها” . لعلكم لاحظتم كيف أن الكثيرين من ساستنا باقنعة القراصنة لا بأجنحة الملائكة …
سؤال يتردد في الظل هل هي الوصاية الأميركية أخيرا ؟ الاجابة في الضوء , ومتى لم يكن الشرق الأوسط كله تحت الوصاية الأميركية , ليبقى البناء الداخلي , بناء الدولة , وبناء المجتمع , بمفاهيم , وبقيم , بعيدة عن مفاهيم , وعن قيم , القرن التاسع عشر , ما يعني اقامة الدولة ـ الدولة لا الدولة ـ القهرمانة …
قد لا نستطيع أن ندخل الى الأزمة من الباب , ونحن في هذه الحال من التصدع , ومن التيه . آنياً الدخول من الباب الخلفي , وليكن الرئيس الذي يتسع لكل لبنان , ولكل اللبنانيين .
واذا قيل انها الصلاحيات الملتبسة , نقول ان الصلاحيات في الشخص لا في النص . لبنان بحاجة الى الكثير من الابداع السياسي , والحصافة السياسية , كي لا يقال بأزمته ما قاله هنري كيسنجر بأزمة المنطقة “هذه أزمة لا حلّ لها الا في العالم الآخر …” !

عن mediasolutionslb

شاهد أيضاً

“نعم .. أنا في حلب” بقلم المهندس باسل قس نصر الله

ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.