أخبار عاجلة

تضحيات الآباء لا تقل أهمية عن تضحيات الأمهات

بقلم الأخصائية والباحثة الاجتماعية ندى السوقي – التدخل العلاج الأسري.


المرأة – الأم هي الرمز الخالد لنبع الحنان والعطف على الأبناء، والتعلق ورفض التخلي والتضحية بحياتها وبأثمن ما لديها و براحتها وسعادتها. وقد خلدها الأدباء والفنانون في كتابات ولوحات وأشعار وقصص وأفلام من باب الوفاء لجبروتها
ولعظمة منحها هذا الحب الكبير الذي لا ينطفئ ولتلك الشمعة التي تحترق لتضيء حياة أبنائها وكل من حولها.. هي الأم هي الحياة الأبدية..
ولكن ماذا عن دور الأب؟ الدور الاساسي والفعال من منظومة الأسرة الذي يفني عمره ويستنزف قوته وصحته وطاقته لتأمين حياة كريمة لأبنائه ولبناء مستقبل باهر لهم، الا يحمل قلبا ًمحبا ًوعطوفا ًيتألم لالام ابنائه، ويسعد بسعادتهم،
ويشتاق للقائهم، ولا يرضى بخسارتهم ويضحي ويكافح ويجاهد للبقاء بجانبهم؟ هذه الكفوف القاسية وهذا الوجه المتعب والعبوس بإستطاعته منح كل الحب والحنان لأولاده  تماما  ًكالام المعطاءة ودون كلل او ملل.
وكما الام أخذت حقها بالأعمال الادبية والمسرح والفن..هناك بعض الكتب والمقالات والأعمال الفنية التي تناولت علاقة الأب بأبنائه وبدوره الفعال في الأسرة.. ومن النادر أن نجد من يتحدث عن تلك الصورة التي تجسد صورة الأب المضحي المحب المتعلق بأولاده الحنون العطوف الرحيم الحريص على راحتهم ومستقبلهم ولو قدم ذلك على حساب حياته الشخصية وراحته.
هذه الظاهرة (تضحيات الآباء وتعلقهم بالابناء تماما ً كتعلق الامهات) تكررت معنا خلال عملنا، وهي واقعة إجتماعية تمثل جانبا ًمهما من جوانب حياة الأسرة. ف تضحيات الآباء وتعلقهم بأبنائهم كالأمهات تماما ً وخاصة بغياب الأم الجسدي أو المعنوي والروحي والذي لا يقل عن حبهن وتضحياتهن ، بل كان له الوقع الإيجابي القوي في رعاية الأبناء وتحضيرهم لمعارك الحياة. وانطلاقا مما رصدناه في عملنا الإجتماعي والتدخل الأسري. وجدنا أن هذا الموضوع الملفت والمهم يجب أن نلقي عليه الأضواء ومن كافة الجوانب إلعطاء هذا الأب المعطاء حقه ولو بمقال قصير يختصر دوره وتضحياته.
هذا المقال إهداء لكل أب أرمل – مطلق – أو متزوج من إمرأة لا تعرف معنى العطاء والحنان والحب الا لنفسها فقط ودون أولادها، وقبل أن نتناول بعض هذه التضحيات والأدوار التي يقدمها هذا الأب العظيم الذي لا يتكرر، سنعرض بعض الأعمال الأدبية الخالدة التي جسدت الحنان الأبوي: رواية “البؤساء” لفيكتور هوغو، والبطل “جان فالجان” الذي جسد صورة الأب  المحب الذي ضحى بكل شيء من أجل راحة ابنته وسعادتها، رغم أنه كان قد تبناها ورعاها، والجزء الأكبر من الرواية يتحدث عن تضخيات الأب لاسعادها والدخول في ثورة شعبية لإنقاذ حبيبها من الموت. وقدم شارلي شابلن رواية إنسانية ً ًعن رجل تبنى رضيعا عثر عليه مرميا في الشارع ، فكان له الأب والام معا، منحه كل الحب والحنان والعطف وإهتم بكافة تفاصيل حياته، وعندما عرفت الشؤون الإجتماعية بالصبي حاولت ضمه للمؤسسة لتوفير رعاية مناسبة له، لكن الأب الفقير رفض أن يتخلى عنه وقاوم بشراسة حتى فشلوا حرمانه من فلذة كبده.. وهناك أعمال أدبية كثيرة تناولت هذه
التضحيات والأدوار المهمة وخاصة أن الأب لا يعرف كثيرا عن طرق تربية الأبناء .ولكن الظروف وقسوتها حولته الى أب وأم في آن واحد، وكانت تجربة مميزة وناجحة مع بعض الحالات وليس بالمطلق.
وهناك الكثير من الأزواج الذين نقابلهم، يرفضون الاقتران بعد الإنفصال أو وفاة شريك الحياة ولعدة أسباب خاصة بهم ولقناعاتهم الخاصة وتجاربهم الزوجية، وهناك حالات ترفض الانفصال عن زوجاتهم رغم المعاناة الحقيقية التي يمرون بها، ) النساء غير المكترثات لرعاية أبنائهم ومن عدة جوانب(، فيتفرغون الآباء لرعايتهم ومنحهم الحب والطمأنينة بقدر ما يستطيعون كتعويض لغياب الام، وهذا السلوك وبغض النظر عن إنعكاساته السلبية على نفسية الرجل وعلى أهمية المرأة في الأسرة. هذا السلوك عند بعض الرجال في مجتمعنا الشرقي نادر وغير مألوف،وهذا ما لفتني لطرح هذا المقالً بين أيديكم ومحاولة طرحه بإسلوب علمي سلس وبسيط.. الرجال لا يستطيعون غالبا تدبر أمورهم بعد فقدان المرأة في حياتهم، فيلجأون وبشكل سريع الى الزواج بغيرها من أجل تدبر أمورهم اليومية والحياتية والحفاظ على استمراريةً الأسرة، وهناك رجال يرفضون الزواج مرة اخرى، ولو كان على حساب أنفسهم ويلعبون دور الأم ولو كانت بنسب قليلة

ومختلفة. فكيف لو حاولنا قلب أو تغيير الصورة التقليدية للاب؟ ماهو تأثيرها الايجابي والسلبي على األزواج وعلى الأبناء وعلى المجتمع بشكل عام؟ و لا نقصد هنا قلب الأدوار الطبيعية، بل أحدد بتغير رؤيتنا التقليدية عن دور الأب في الأسرة لناحية تأمين مستلزمات الحياة اليومية والدعم الاقتصادي، وإلقاء مسؤوليات التربية وتشكيل شخصية الأبناء واعطائهم الحب والحنان والتضحية، ودعمهم نفسيا وعاطفيا من قبل الام فقط؟
ماذا لو أصبح الأب وبوجود الأم ومشاركتها، وأحيانا بدونها ولاي ظرف )طلاق – وفاة..( المصدر الأول والأساسي للحب والتضحية والحنان ..؟. هناك نساء لا تعرف قلوبهن الرحمة وبعيدة كل البعد عن التضحية والعطاء، وهناك بعض الرجال يغلبون النساء با لحب والحنان والتعلق والتربية المسؤولة، وطبعا ًهذا الدور الملائكي  لا  يستطيع اي كان من الرجال لعبه
بإتقان، فهو يتطلب حكمة ووعي وثقافة وإدراك وصبر ومسؤولية وتخلي عن حب الذات، وحب بلا حدود، وتضحيات غير مشروطة.. وفي مجتمعاتنا ترتكز الصورة النمطية على العالقة السليمة مع الأم، ولا تهتم بالعلاقات الإجتماعية الأخرى داخل الأسرة وعلى رأسها العلاقة بين الأب وصغاره، فهي تأتي بالمرتبة الثانية بعد علاقة الأم بصغارها، وهناك دراسات عن العلاقات الأسرية تبين: “إن 99 في المئة من أبحاث تربية الاطفال تركز على الأمهات، رغم أن الآباء يمثلون نصف أولياء الأمور”. في حين أن مسؤولية رعاية الطفل لا  يتولاها شخص واحد فقط، ومن هنا تأتي ضرورة تقوية الروابط الإجتماعية
بين الآباء و الأمهات والأطفال. والاباء عندما يتولون بمفردهم رعاية الأبناء في حالة غياب الامهات تنشط لديهم نفس المناطق من الدماغ التي تنشط لدى الأمهات للتكيف مع المهمة. والتفاعل الوجداني بين الأب والصغير يساعد بالنمو العقلي والنفسي السليم للطفل، فتنخفض وتقل فرص ظهور المشاكل السلوكية في المراحل اللاحقة من العمر، وكلما زاد دعم الآباء للاطفال عاطفيا ومن الصغر انعكس رضا وتصالح الطفل مع نفسه ومع الآخرين. فمشاركة الأب الفعالة و الإهتمام بالطفل وقضائه وقتا أطول معه يعزز نمو شخصيته القوية والسليمة، وتزيد رابطة الأبوة بين الأب والابن.
فالجفاء العاطفي بين الآباء والأبناء وعدم مشاركتهم الاوقات الجميلة معهم ، وخوض حوار عن مستقبلهم وهمومهم اليومية ومساعدتهم في تدبير أمورهم، وتخصيص وقت لهم كتحضير وجبة طعام أو اللهو معهم ، وعدم لومهم وتوبيخهم عند ارتكاب بعض الاخطاء بل تحميلهم المسؤولية والثقة بالنفس وتعزيزهم بالتربية السليمة.، يؤدي الى زعزعة ثقتهم بنفسم والوقوع في مشاكل نفسية، بالإضافة الى البعد النفسي وإلغاء وجود الأب لتكون الام هي الأب والأم، وبالتالي الرجال
ليسوا أقل كفاءة من النساء في رعاية صغارهم، إنما الحياة الصعبة التي نعيشها والعادات والتقاليد والصورة التقليدية أبعدت الآباء عن أبنائهم، وأخذت هذه الصورة المثالية عن الأب ودوره فقط في تأمين لقمة العيش والرعاية المادية تتركز في أذهان الاجيال القادمة، مع عدم الانتباه الى دوره الفعال في منح الحب والرعاية العاطفية والمعنوية وعلى كافة المستويات . الطفل يحتاج لوالدين محبين يتشارك معهما أوقاته، ويتفاعلوا معه، فدور الأب في الرعاية لا يقل أهمية عن
دور الأم والذي تتحمل كل صعوباته وحدها وحتى نتائجه السلبية ، أما النتائج الإيجابية وفي بعض الأحيان تعود لتضحيات الأب الفعال في المجتمع بوقت يكون دوره في الأسرة غير موجود.. فلنغير تلك الصورة التقليدية عن الأب وكأنه فقط بنك مال، ولنحثه على المشاركة في مسؤولية الإهتمام بالأبناء وتربيتهم،
هذه المشاركة والتعاون بين الزوج والزوجة يوطد العلاقة بين الطرفين ويخفف أعباء الحياة ويعزز مفهوم التعاون والحب والمسؤوليات في العائلة الواحدة وينعكس ايجابا على الأبناء وعلى مفهوم الأسرة والتعاون والمحبة والإخلاص فنبني أسرة سليمة ومجتمع واعي وصحيح .
تحية لكل أب يضحي بوقته وبسعادته وصحته أجل ابنائه.

عن mediasolutionslb

شاهد أيضاً

حكومة “الميثاقية” و”التوازن المفقود”: هؤلاء هم الرابحون والخاسرون

كتب محمّد حميّة في “الحوار نيوز “ نجَح رئيس الحكومة القاضي نواف سلام باستيلاد حكومة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.