(الحزب يحاول قدر الإمكان رغم خسائره البشرية تجنّب أي حرب قد تجرّ لبنان إلى كارثة جديدة)

كتب حسين زلغوط في صحيفة اللواء
تزايدت في الأسابيع الأخيرة وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية في الجنوب ، في مشهد يعيد إلى الأذهان مرحلة التصعيد المفتوح التي سبقت التوصل إلى الهدنة بين إسرائيل وحزب الله العام الماضي. ورغم أن تلك الهدنة كانت وليدة تدخلات اقليمية ودولية، فإن التطورات الأخيرة تطرح سؤالاً جوهرياً: هل ما يجري اليوم مقدمة لاستدراج الحزب إلى ردٍّ واسع يعيد إشعال الحرب، أم أن الطرفين لا يزالان محكومين بحدود اللعبة التي رسمتها المعادلات الإقليمية والدولية؟
فمنذ توقّف المواجهات الكبرى، حافظ الجنوب على درجة من التوتر القابل للانفجار في أي لحظة. فالمعادلة التي استقرّت بعد العام الماضي كانت تقوم على “الهدوء مقابل الهدوء” مع هامش محدود للعمليات الأمنية والاستطلاعية. غير أن إسرائيل، خلال الأشهر الماضية، بدأت تتوسع في استهدافاتها الجوية لتطال مواقع يُشتبه بأنها تابعة لحزب الله، أو مخازن أسلحة ، وصولا الى دراجات نارية يقودها عناصر عادية من الجزب ، ومع كل غارة جديدة، يتزايد الجدل حول نية إسرائيل في تغيير قواعد الاشتباك التي كانت تضبط إيقاع العلاقة بين الجانبين.
في المقابل، يواصل حزب الله التزامه بقدر كبير من الانضباط الميداني، فهو يدرك أن أي ردٍّ واسع قد يفتح الباب أمام حرب لا يريدها في هذا التوقيت، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، لا سيما لجهة عدم اعادة اعمار ما خلفته حرب العام الماضي ، والضغوط الداخلية المتنامية على البيئة الحاضنة للمقاومة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن الحزب لا يستطيع أن يسمح بتآكل صورته الردعية أمام جمهوره أو أمام خصومه..
المعضلة الحقيقية تكمن في أن هذه المعادلة الدقيقة تبدو اليوم مهددة. فإسرائيل، التي تعيش حالة من الاضطراب الداخلي خصوصا على المستوى السياسي، تحاول نقل الضغط نحو الجبهة الشمالية لتعيد توحيد الداخل حول خطر خارجي. ويعتقد بعض المتابعين أن التصعيد المتدرج هو أداة إسرائيلية لاختبار مدى صبر حزب الله، وإعادة فرض شروط جديدة على قواعد الاشتباك بما يسمح لتل أبيب بحرية أكبر في الحركة العسكرية والاستخبارية. وفي المقابل، يرى آخرون أن الحزب لن يقبل بانزلاق ميداني غير محسوب النتائج.
من الناحية العسكرية، لا شك أن المنطقة الجنوبية تشهد تصعيداً نوعياً في طبيعة العمليات. فإسرائيل باتت تستخدم وسائل استهداف أكثر دقة وأبعد مدى، كما توسّع نطاق عملياتها لتشمل مناطق كانت تعدّ آمنة نسبياً. أما الحزب، فيبدو أنه يعيد تموضعه الميداني، ويرمم قدراته على كافة المستويات ويحدث تكيفاً مع الواقع الجديد، من دون إعلان رسمي عن ذلك. هذه التحركات الميدانية المتبادلة تعكس مرحلة “ما قبل الانفجار”، حيث يتراكم الضغط من الطرفين في انتظار شرارة صغيرة قد تشعل حريقاً كبيراً.
لكن السؤال هل يرغب أحد فعلاً في الحرب؟
الإجابة ليست بسيطة. فإسرائيل، رغم تصعيدها، تدرك أن أي مواجهة مفتوحة مع حزب الله ستكون مكلفة،كما أن حزب الله، يحاول قدر الإمكان ورغم ما يتكبده يوميا من خسائر في صفوف عناصره تجنّب أي حرب قد تجرّ لبنان إلى كارثة جديدة. إلا أن الخطورة تكمن في أن الحسابات الدقيقة قد تخطئ، وأن أي عملية ميدانية غير محسوبة، أو استهداف يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، قد يدفع الحزب إلى ردٍّ لا يمكن ضبطه لاحقاً.
فالهدنة التي حافظت على هدوء نسبي منذ العام الماضي تبدو اليوم وكأنها تقف على أرض رخوة. فكل طرف يفسّرها بطريقة مختلفة: إسرائيل تراها إطاراً مؤقتاً يسمح لها بمواصلة استهدافها “الوقائي” ما دام لا يؤدي إلى رد كبير، فيما يعتبرها حزب الله تفاهم لا يجوز المسّ به. ومع غياب أي قناة تواصل مباشرة أو ضابط إيقاع إقليمي فاعل، يظل خطر الانزلاق قائماً في أي لحظة.
في المحصلة، يمكن القول إن احتمالات عودة الحرب ليست حتمية، لكنها واقعية وقائمة. فالمشهد الحالي هو مشهد ما قبل القرار، حيث يسير الجميع على حافة الهاوية محاولين تحقيق مكاسب من دون السقوط فيها. وإذا استمرت إسرائيل في سياسة الاستهدافات المتكررة، فإن حزب الله سيجد نفسه أمام خيار الردّ الذي يفرضه تاريخه وبيئته، وحينها لن تكون العودة إلى الهدنة السابقة ممكنة.
لا شك إن مستقبل الهدوء في الجنوب مرهون بمدى قدرة الطرفين على قراءة اللحظة بوعي استراتيجي، بعيداً عن نزعة الاستفزاز أو استعراض القوة. فالحرب، إن اندلعت مجدداً، لن تكون كسابقاتها؛ إذ ستفتح الباب أمام فصل جديد من الصراع الذي قد يمتد إلى ما هو أبعد من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وحتى إشعار آخر، تبقى المنطقة عالقة بين حرب مؤجلة وهدنة مهددة، في انتظار من يخطئ الحساب أولاً.
Sayidat wa Aamal The Whole magazine Package