أخبار عاجلة

تضييق الخناق على إسرائيل يفتح الباب أمام ملاحقات في المحاكم الدولية
الاعتراف الدولي يتسارع… فهل تقترب فلسطين من بوابة الدولة؟

الموقف الفرنسي يُعدّ تطورًا نوعيًا ليس فقط لرمزيته وإنما لصدوره عن دولة أوروبية كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن

كتب حسين زلغوط في صحيفة اللواء

في تحول دبلوماسي لافت وغير مسبوق منذ سنوات، أعلنت فرنسا، ومعها دول أوروبية أخرى مثل النرويج وإيرلندا، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، لتنضم بذلك إلى أكثر من 157دولة سبق وأن اعترفت بالكيان الفلسطيني كدولة مستقلة ذات سيادة.

هذه الخطوة، التي تأتي في خضم تصاعد غير مسبوق للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتنامي الغضب الدولي من الحرب الدائرة في غزة، تعيد إحياء الحديث حول إمكانية تطبيق حل الدولتين، وتثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل القضية الفلسطينية في ميزان السياسة الدولية.

لكن، ماذا يعني تزايد الاعترافات الدولية بفلسطين؟ وهل تمثل هذه التحركات تغيّرًا جوهريًا في مواقف الدول الغربية التقليدية الداعمة لإسرائيل؟ وما الأثر الحقيقي لموجة الاعترافات هذه على أرض الواقع السياسي والجغرافي؟ وهل نحن فعلاً على أعتاب ميلاد دولة فلسطينية معترف بها أم أن الأمر لا يزال ضمن إطار الرمزية السياسية؟

لا شك أن الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين يُعدّ تطورًا نوعيًا، ليس فقط لرمزيته، وإنما لصدوره عن دولة أوروبية كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن. فرنسا، التي طالما تبنّت موقفًا وسطيًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تُحدث اليوم اختراقًا في جدار الدعم الغربي التقليدي لإسرائيل، وتشير إلى تصاعد الإحساس الأوروبي بضرورة التحرك في ظل الانسداد السياسي وفشل المجتمع الدولي في وقف الحرب على غزة.

إن هذه الموجة الجديدة من الاعترافات لا تأتي بمعزل عن تغير المزاج الشعبي الأوروبي، الذي أصبح أكثر انحيازًا للحقوق الفلسطينية نتيجة ما تبثه وسائل الإعلام ومنصات التواصل من مشاهد القتل والدمار في غزة. وقد انعكس هذا التحول الشعبي في برلمانات وسياسات العديد من الدول الأوروبية، وفي اشوارع من خلال التظاهرات المنددة باسرائيل ما حوّل المواقف الرمزية إلى قرارات رسمية.

صحيح أن الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني بالضرورة قيام الدولة الفلسطينية فعليًا على الأرض، إذ لا تزال إسرائيل تحتل الضفة الغربية ، وتقوم باحتلال قطاع غزة وتدميره ، غير أن لهذا الاعتراف وزنًا سياسيًا كبيرًا، فهو يعزز مكانة فلسطين في المؤسسات الدولية ويمنحها دفعة دبلوماسية في مواجهة الرواية الإسرائيلية.

كما أن الاعترافات المتزايدة تضيق الخناق على إسرائيل سياسيًا، وتفتح الباب أمام ملاحقات قانونية في المحاكم الدولية، وهو ما بدأت تظهر ملامحه في تحركات محكمة الجنايات الدولية، التي تنظر حاليًا في جرائم حرب محتملة ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية.

لأكثر من عقد من الزمن ، بدا أن خيار “حل الدولتين” الذي يقوم على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ضمن حدود 1967 قد دخل في سبات عميق، نتيجة التوسع الاستيطاني، وانهيار عملية السلام، وانقسام البيت الفلسطيني، والحرب الضروس التي لا تزال قائمة على غزة، غير أن الاعترافات المتزايدة تعيد إحياء هذا الخيار على الطاولة، وتمنحه زخمًا دوليًا بعد سنوات من التهميش.

ان فرنسا، في إعلانها، لم تكتفِ بالاعتراف، بل ربطته صراحة بضرورة العودة إلى حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. الموقف ذاته تبنته النرويج وإيرلندا، ما يعكس توافقًا دوليًا متزايدًا على أن الاستمرار في الوضع الراهن لم يعد مقبولاً، لا أخلاقيًا ولا سياسيًا.

هذه التحركات أثارت غضب إسرائيل، التي حكما ستستدعي سفراء الدول المعترفة، لتهددهم باتخاذ إجراءات دبلوماسية صارمة، لكن رغم هذا التصعيد، تبدو تل أبيب أكثر عزلة من أي وقت مضى، في ظل فقدانها الكثير من الدعم المعنوي الذي كانت تتمتع به في الغرب، وتزايد الأصوات الداعية لوقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.

من المؤكد إن إسرائيل تخسر معركة الرأي العام العالمي، وهو ما يُعدّ تطورًا خطيرًا بالنسبة لها على المدى البعيد، خاصة إذا تزايدت الضغوط القانونية والمقاطعات الاقتصادية، كما حدث سابقًا مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكن في الوقت نفسه لا يمكن القول إن تزايد الاعترافات بدولة فلسطين سيؤدي مباشرة إلى قيام دولة على الأرض، فذلك ما زال رهنًا بعوامل كثيرة، أبرزها الموقف الأميركي، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق الوحدة الفلسطينية الداخلية. لكن المؤكد أن هذه الاعترافات تُشكل تحوّلًا مهمًا في التوازنات السياسية الدولية، وتمنح الفلسطينيين أوراق ضغط جديدة قد تُعيد فتح المسار السياسي الذي طال انتظاره.

فالاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مجرد أمنية أو شعار، بل بات مسارًا فعليًا يتسارع يومًا بعد يوم، وفي حال استمر هذا الاتجاه، فإنه قد يُرغم القوى الكبرى على إعادة النظر في مواقفها، وربما، يوماً ما، يجلس العالم أمام خريطة جديدة تعترف بفلسطين كدولة حرة كاملة السيادة.

عن mediasolutionslb

مجلة سيدات وأعمال مجلة اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة صاحب الامتياز رئيس التحرير الصحافي حسين حاموش. موقع سيدات وأعمال sayidatwaa3mal.com موقع اخباري شامل الناشر حسين حاموش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.